خاطرة : لماذا يبقى مستوى تلاميذنا ضعيفا ؟

0
241


إن كل من يعمل مدرسا لمادة اللغة العربية في المدارس الكلاسيكية بالسنغال يلحظ بشكل تلقائي ضعف مستويات التلاميذ في كافة الفصول المعنية (الفصول الخمسة من الثالث الإعدادي إلى الثالث الثانوي) .
وإذا ذهبت تدرس أسباب ذلك الضعف لدى التلاميذ يحط بك البحث والدراسة إلى شاطئ اليقين بشكل لا يقبل الجدل ولا المشاحة.
على أنني أرى المسئولية مناطة على عواتق المدرسين أنفسهم ، قبل أن تقع على غيرهم ، فالمعلم في هذه الجهة يتعامل مع المادة الدراسية ومفردات المقرر على نحو سلبي في أغلب الأحيان ، حيث يتقيد بالمنهج الدراسي الموحّد، فيتركه جامدا مقدّسا لا يتصرف فيه لا بالنقص ولا بالزيادة ولا بالتطوير أو العصرنة ، فتراه في منهج القراءة يشرح النصوص المقررة فحسب، ثم يختار من بينها نصا يراه مناسبا يوم الامتحان ، والعجب العجاب أن له مع تلاميذه سابق مرور بهذا النص بتمارينه وتطبيقاته ، فيأتي التلميذ بكل ميكانيكية ينقل ما حفظه فقط بلا مهارة تذكر ، فتكون إجابات التلاميذ موحدة مكتحلة نوعا ما بفكر المعلم ومنهجه ، كما لا يصنع مذكرة جانبية لقصص التقوية لإثراء الحصيلة اللغوية عند النشء.
أما في القواعد، أو المهارة اللغوية كما يحلو لبعضهم أن يسموها، فنجد المعلم ، يقصّر أحيانا كثيرة في أدائه وفي تعامله مع المادة ، حيث إنه ، وإن نجح في الطريقة البيداغوجية، فإنه لا يأخذ ما يكفي من الوقت لينوّع التطبيقات اللغوية نحوا وصرفا، بل يكتب التطبيقات على السبورة ، والوقت يصارعه وسرعان ما داهمه وهو لم يفعل إلا تعليمة أو تعليمتين مع التلاميذ ، أتدري لماذا ؟ لأنه لم يأخذ ما يكفي من الوقت ليعد التطبيقات التقويمية بالآلة الكاتبة ويطبعها ثم يوزعها عليهم بعد شرح الدرس تباعا ، ليتوسعوا فيها ، مع العثور على كثير من المفردات واكتساب مهارات لغوية مختلفة ، مع إمكانية مراجعتها في البيت والرجوع لها في أي وقت. أما عند غياب هذا الجهد من المعلم فبعض المتعلمين لا يسعهم نقل الأمثلة والقاعدة ثم التطبيقات في مدة زمنية لا تكاد تنيّف على العشرين دقيقة مع العلم بكونهم يكتبون ببطء بطيء لضعف علاقتهم باللغة العربية. وكل ذلك ينعكس سلبا على إقبال التلميذ على هذه اللغة.
إنه ليس من المستحيل أن يتقن تلاميذنا اللغة العربية ، ويكون لهم فيها مستقبل مشرق واعد ، فيتوسلون بها لطرق أبواب العلوم الإنسانية والاجتماعية بل والدينية، إذا أدى المعلم عمله على النحو المنشود ، والأمثلة على ذلك موجودة.
أليس التلاميذ الذين يختارون اللغات الأخرى في نفس القوة من إسبانية وبرتغالية وألمانية…. يحققون بها أغراصهم المنشودة فيصحبون مدرسين أو مترجمين ….. ، مع أنهم يبدأون في دراستهم لها من حيث يبدأ تلاميذنا بل قد يكون لتلاميذنا عهد سابق مع اللغة العربيّة.
إننا لا نقصد المقارنة بين حال تلاميذنا بوضعهم الطبيعي ، وبين حال أولئك الدارسين في المدارس العربية غير الحكومية والذين يقرأ عدد مهم على يد المشايخ في النظام التقليدي ، فلا وجه للمقارنة بين الفئتين .
ولسنا بغافلين عن الفارق الصوتي بين العربية وبين أخواتها أو اللغات الحية في نفس القوة أو الاختيارية باللفظ الأدق ومدى تأثيرها في تحصيل كل من الفئتين إيجابا وسلبا .
ومن الواضح أن هذا الفارق يتمثل في الجانب الصوتي ، ويتلاشى هذا العائق عند دارس العربية اليومَ الذي يقدر فيه على النطق الصحيح بالأصوات اللغوية بعد مرحلة التهجي . وحينئذ فلا يعود بينهما فرق ،هذا يقرأ وهذا يقرأ.
ثم يكون هناك جانب يصب في صالح دارسي العربية أكثر مما يصب في صالح دارسي اللغات المشار إليها من أسبانية وألمانية وبرتغالية وإيطالية ، ويتمثل هذا الجانب في كون العربية تفرض نفسها على المسلم في شهادته وأذانه وصلاته ، وحجه وخطبته … مما يحسّن علاقته بالعربية ويقرب منه أصواتها ، وليست اللغات الأخرى تحظى بهذه الخاصية لا من قريب ولا من بعيد مهما روّجت لها الجمعيات الثقافية العالمية.
هذا ، و الأطروحة التي أدافع عنها ، وكل الذي أدعو إليه هو أن يقدر التلميذ الدارس للعربية في المدرسة الكلاسيكية أن يقدّم نتائج ملموسة بحيث يصبح موظفا مفيدا لنفسه و لأمته ثم ينطلق من دراسة اللغة العربية ليدخل في دراسة العلوم الدينية والاجتماعية….. باللغة العربية. وهناك أمثلة على ذلك ، فهناك تلاميذ درسوا في المدرسة الكلاسيكية أصبحوا اليوم أساتذة ، فنجحوا حيث فشل جماعة ممن درسوا العربية في المدرسة غير الحكومية.
ومن أسباب العجز عن تحقيق النشاط التربوي المنشود داخل غرفة الدراسة كون المعلم في هذا القطاع لا يفهم غالبا لغة البلد الذي يدرس فيه ، وليست له خلفية مناسبة في اللغة الفرنسية إذا لم يكن له بها سابق عهد ، ومعلوم أن الفرنسية هي التي تمثل اللغة البديلة لإفهام التلاميذ ، ومما ثبت بالتجربة أنه لا يمكن الإصرار على الشرح باللغة العربية فقط ، وعليه نجد طريقة القواعد والترجمة تفرض نفسها على المعلم ، وما دام أنه عاجز يتهرب من الشرح بالفرنسية ، كي لا يكون أضحوكة لدى تلاميذه ! .
وإذا كانت دعائم العملية التعلمية-التعليمية هي المعلم والمتعلم والبيئة الدراسية والمحتوى فلا يصح بحال إسقاط عنصر واحد منها، ولا يجوز الانحياز إلى عنصر معين وحمله المسؤولية أو الفضل في فشل التعليم أو نجاحه . فبعض أسباب ضعف مستويات التلاميذ ترتبط بالمتعلمين أنفسهم لضآلة جهودهم الشخصية في التحصيل اللغوي ، كما أن البيئة الدراسية لا تساعد غالبا .أما المحتوى الذي وضعه صناع المنهج المدرسي فنراه مناسبا ومدروسا بإحكام ، أحيي لجنة التأليف ، وفي مقدمتهم البروفيسور تشيرنو كه الحبيب .
إنه بحق منهج مرسوم وفق ضوابط المنهج المعروفة في التربية .
وينصاف إلى عوامل هذا الضعف محدودية دور أولياء الأمور ، ولكنه عامل ضعيف المفعول ؛ وليس له ذكر في عناصر نجاح عملية التعلمية – التعليمية ؛ حيث نجد في بعض الأنظمة غياب دور الآباء بشكل شبه نهائي أحيانا ومع ذلك تكون هناك نتائج كالمدرسة القرآنية. ولا نغفل أهمية ولي الأمر في تربية النشء .
وعندنا في المدرسة الكلاسيكية نفس أولياء الأمور ، ويظل العجز في اللغة العربية دون بقية الجهات غالبا .

إبراهيم حسن جوف
كاتب وباحث في الدراسات الأفريقيه

30/04/2024

LAISSER UN COMMENTAIRE

S'il vous plaît entrez votre commentaire!
S'il vous plaît entrez votre nom ici